قد يظن العامل في المؤسسة أنه يعرف قيمة الاحترام تمام المعرفة وأن والديه قد غرسا فيه هذه القيمة، وأنه يعرف كيف يعامل الناس باحترام. غير أن سلوكه المهني داخل المؤسسة لا يدّل على أنه يتمثل قيمة الاحترام لأنه لم يدرك معناها المهني العميق.
يرى الباحث في مجال التعلّم وأبحاث الدماغ (ديفيد سوسا) أنه لكي يتعلم الفرد المفاهيم بشكل جيّد وتبقى في ذاكرته لابد أن تتوفر فيها خصائص أربع: أن تكون حيويّة وترتبط بالبقاء (survival) وأن تكون مشحونة انفعاليا (emotional) وأن يكون لها معنى (it has a meaning) وأن يكون لها منطق (It make sense). (Sousa1998)
إننا نرى أن أفضل مدخل لتحويل القيم من مفهوم مجرد؛ ليصبح مفهومًا مهنياً ويحمل معنى، وله منطق عند الأفراد، وقابل للتطبيق من قبلهم؛ هو تجسيدها، ويعني ذلك تحويل القيمة من كلمة مجردة إلى كيان واضح المعالم نظرياً، وذلك بتعريف القيمة وتحليلها إلى مكونات وقيم فرعيّة، وتوضيح وبيان العوائد والثمار الإيجابية الناتجة عن تبني الفرد لمنظومة القيم، وكذلك ما يعـود على المؤسسة من المنافع الإيجابية حال توفيرها للبيئة الحاضنة والداعمة للقيم، يلي ذلك بيان بالمخاطر الناجمة والتهديدات المتوقعة من عدم تبني القيم بشكل حقيقي، أو عدم توفر الإجراءات الداعمة، وذلك من أجل تعزيز الجانب الوجداني لدى الفرد، وتعظيم وتثمين وتقدير أهمية القيمة لديه؛ ليتمكن من اكتسابها والدفاع عنها. وإحدى مكونات عملية تجسيد القيم؛ هي إيضاح المؤشرات الدالة على السلوكيات المطلوبة من الفرد ليتمثل القيمة، أو الإجراءات المطلوبة من المؤسسة لتهيئة البيئة الحاضنة للقيم:
والغاية من ذلك بناء إطار علمي مرجعي يستطيع المعنيون بتمكين العاملين من منظومة قيم مؤسساتهم أن يرجعوا إليه لاستلال وصياغة وتطوير المقاييس، ومساندتهم في بناء برامج التمكين وأدواته التثقيفية والتدريبية التي تُحدِث أثرًا في المستهدف بالخدمة وللتأكيد فليست مهمة تجسيد القيم على كاهل العاملين والمسؤولين في المؤسسة، بل هي مهمة المستشارين وخبراء المجال. (للاستزادة يمكنكم الاطلاع على دليل الرواد لتجسيد القيم).