تذكرتُ هذا الصديقِ وأنا أتأمل مشهدَ عددٍ من الجهاتِ التي أُتيح لي العملُ معها، أو الاطلاعُ على واقعِ منظومةِ التميزِ المؤسسي فيها، ممن تباينت في الوصولِ لدرجةٍ عاليةٍ من النضجِ، أو واجهت تحدياتٍ في هذا المجال.
أظن أن منهجيّة صديقي في التبسيطِ كانت علاجاً ناجحاً ساعد على تحقيقَ التميزِ وبناءَ منظومته ودعمَ استدامتها بأقلِ جهدٍ ممكنٍ ودونَ عناءٍ زائد، من خلالِ عرضِ الصورةِ الكاملةِ لمشروعِ التمّيز بشكل جيد، وتوضيحِ أهدافهِ ومتّطلباته وأدواتهِ وتسهيلِ تطبيقها، وممارستها بيسر بدءاً من قمة الهرمِ المؤسسّي وصولاً إلى قاعه.
التمّيز مستوىً عالٍ لا يمكنُ الوصولُ إليهِ بالطموحِ فحسب، ولا التغّني به، ولا بتكليف شخص آخر يبنيه نيابةً عن الجميع، ولا يمكنُ التقدم فيه إلّا إذا فهمه الجميعُ واعتادوا استخدام أدواته ومتطلباته. هذا الفهم سيقود إلى إدراكهم أنّ تحقيقهُ مسؤوليتهم جميعاً، وسيعزز إيمانهمُ المشتركَ بجدواه وضرورةَ تحقيقه.
إن الوصولَ لدرجةٍ عاليةٍ من الأداءِ المؤسسّي المستدامِ هدفٌ يمكنُ تحقيقهُ، وإنْ بدَت بعضُ المراحلِ أو الخطواتِ مشوبةً بالصعوبة أو الغموض و التعقيدُ لغيرِ المجرِّبين. ولا شكَّ أن استيفاءَ بعضِ متطلباتِ التميّز يواجه تحديات تختلف أسبابها وَمصادرها بين جهة وأُخرى ويحتاجُ لرأي خبيرٍ صقلتهُ التجربة. لكن الخطورةُ تكمنُ في أنّ عدمَ فهمِ بعضِ المتطلباتِ والأدواتِ أو صعوبةَ تطبيقها قد يؤدي إلى العزوفِ والتراخي أو تقديمِ بياناتِ لا تخدمُ الهدفَ الأساسَ من طلبها، وهذا تحدٍ يجب أن يعالجه المسؤول عن بناء منظومة التميز.
لذا، ، فإنَّ تقريبَ المشروعِ وتبسيطه، وتوضيحَ الأهدافِ والأدوارِ، ومخاطبةَ المعنيّينَ بلغةٍ يفهمونها وَصْفَةٌ ناجحةٌ ووسيلةٌ فعّالةٌ، ومن ذلكَ مخاطبتهم بلغاتهم التي يُتقنونها إتقانَ لغتهمُ الأّم، وليسَ المقصودُ بالتيسيرِ هُنا هوَ التهاون في تطبيقِ المعاييرِ، ولا إهمالُ قياسِ المؤشراتِ ولا استصعابُ الأنظمةِ المتينةِ المجرّبةِ اللاّزمةِ لإغلاقِ حَلقةِ التحسينِ المستمرِ، بل المرادُ أنْ يكونَ مشروعُ التمّيزِ سهل الفهم، قابلاً للتطبيقِ، واضحُ اللغةِ، متماهياً متناغماً مع إمكاناتِ الأفرادِ والوحداتِ المعنيةِ بالتطبيقِ؛ فَهُما أشبهُ بأسنانِ المفتاحِ التي لابُدَّ من تناغمها مع القفلِ حتى ينفتحَ البابُ بيسر وسهولة، ومُخاطبةَ الناسِ على قدرِ أَفهامِهمْ سُنّةٌ نَبَوَيّةٌ كريمة.
وتأمّل – وللهُ المثلُ الأعلى - حديثَ الحقِ سبحانهُ عن كتابهِ الكريمِ (ولقد يَسّرنا القُرآنَ للذكرِ فهل مِنْ مُدّكر)، تَأمّلْ كيفَ أنَّ أقومَ البيانِ وأقوى الحجج ودستورَ النجاة يصفهُ سُبحانه باليسر!