ومن أبرز الحلول الواعدة لتحقيق هذا التطور؛ تبني: "الخدمات الحكومية الاستباقية"، التي تعتمد توفير الخدمات تلقائيًا أو شبه تلقائي، استنادًا إلى التوقعات واحتياجات المستفيدين المتوقعة.
وتُمثل الخدمات الحكومية الاستباقية تحولًا نوعيًا في تجربة المواطن، حيث تقدم الخدمة قبل أن يطلبها المواطن أو حتى يُدرك حاجته لها؛ فعلى سبيل المثال: ترسل الجهات المعنية تنبيهات تلقائية للمواطنين حول قرب انتهاء رخص القيادة، أو تشعرهم باستحقاقهم لمزايا معينة، مثل: الدعومات الاجتماعية، أو المنح الدراسية.
وتوفر دول مثل: (جمهورية إستونيا)، بعض المزايا الاجتماعية تلقائيًا كتقديم الدعم الاجتماعي للأسر بمجرد ولادة طفل دون الحاجة لإجراءات يدوية، وقد تصل الخدمة الاستباقية إلى مرحلة أكثر تقدماً حيث تُنفذ بالكامل دون أي تفاعل من المواطن، مثل: إصدار الرقم الضريبي، أو تسجيل الأطفال تلقائيًا في أنظمة التأمين الاجتماعي.
ولتفعيل هذه الرؤية الاستباقية؛ يمكن للمملكة الاستفادة من تقنيات حديثة، من أبرزها: تحليل البيانات الضخمة، حيث تساعد على قراءة البيانات المتاحة للحكومة وتحليلها، وتوقع احتياجات المواطنين بدقة.
كما تؤدي واجهات برمجة التطبيقات (APIs) دورًا حيويًا في ربط الأنظمة الحكومية وضمان تدفق البيانات بينها بشكل آمن وسلس، وتوفر أيضًا البيانات المفتوحة والمترابطة بيئة للتكامل بين قواعد البيانات المختلفة، وهو ما يسهل الوصول إلى المعلومات وتجنب تكرار الجهود. إلى جانب ذلك؛ تُعد الهوية الرقمية عنصرًا أساسيًا يمكن من خلاله تفاعل المواطنين مع الخدمات الحكومية بسهولة وأمان؛ فتنعدم الحاجة لإجراءات مطولة ومعقدة.
وتوفر هذه الخدمات عدة فوائد كبيرة، حيث تسهم في تحسين تجربة المواطن من خلال تقليل الخطوات المطلوبة للحصول على الخدمات؛ فيزيد رضا المواطنين وتتعزز ثقتهم في المؤسسات الحكومية، بل وترتفع كفاءة الأداء الحكومي، بتراجع العمليات اليدوية، وتسارع تنفيذ الإجراءات، وانخفاض التكاليف التشغيلية، فضلا عن إتاحتها حلولاً تلبي احتياجات الفئات الخاصة، مثل: كبار السن، وذوي الاحتياجات الخاصة، وهو ما يحقق المزيد من والشمولية والعدالة الاجتماعية.
ومع هذه الفوائد، يبقى التحدي الأبرز في تطبيق هذا التحول مرتبطًا بمسائل خصوصية البيانات وأمنها؛ فمن اللازم اعتماد الأنظمة الحكومية تقنيات متقدمة في مجال التشفير لضمان حماية البيانات الشخصية للمواطنين ومنع تسربها أو استخدامها بطرق غير مشروعة، إضافة إلى ذلك يستدعي التعاون بين الجهات الحكومية لتبادل المعلومات تطوير أطر قانونية واضحة تنظم عملية مشاركة البيانات، لضمان سرية معلومات المواطنين وخصوصيتها.
وفي الختام، يمثل تبني الخدمات الحكومية الاستباقية خطوة استراتيجية لتعزيز استدامة نجاح المملكة في مؤشر EGDI)). ومع الاستثمار في التقنيات المتقدمة وتعزيز التكامل بين الأنظمة، يمكن للمملكة تقديم خدمات تلبي احتياجات المواطنين بكفاءة وسرعة، ومع التحديات المتعلقة بأمن البيانات؛ فإن هذا التوجه يُشكل محوراً أساسياً في التحول الرقمي المستدام، الذي يسهم في تحسين أداء القطاع الحكومي ويرفع من مستوى رضا المستفيدين، ويدعم طموح المملكة في الوصول إلى قمة المؤشرات العالمية للتحول الرقمي، وهو ما سيكون بحول الله تعالى.