حدث ذلك في يوم أقر الله به عين مؤسس الدولة السعودية الثالثة وبانيها: عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود – رحمه الله وأكرم مثواه – بعد جهاد طويل قضاه ورفاقه الأشاوس في سبيل إعلاء كلمة الله، وبناء وطن شامخ وعظيم، فتوّج الله كفاحه ونضاله بأن مكّنه من تحقيق المعجزة بتوحيد جميع أجزاء الدولة المترامية الأطراف، وأقامها وأبناؤه البررة من بعده على أٌسس الانتماء والولاء، وأرسى قواعد الهوية والأمن والنماء.
في مثــل هذا اليــوم من كــل عام * * * تحـــل ذكــــــرانا بيــــوم الوئــــام
جــمـــعنــــــا اللــــه علــــى قـــائـــــــــد * * * قد عاهد الحق وصان الذمام
سار بنـــا فــــي موكـب لـــم يــــزل * * * حـــديثــه على لســـــان الأنــــــام
وهكذا أعلن الملك الحكيم والقائد الباني اسم دولته الفتية: (المملكة العربية السعودية) قبل أربعة وتسعين عاماً، شعب واحد، وطن واحد، هدف واحد، شعاره الإسلام والوحدة والبناء، ورائده التآخي والتلاحم والتراحم، ومن أهدافه إشاعة السلام وتثبيت الأمن.
أعلنها البطل (عبدالعزيز) وحدة وطنية متماسكة، تعتصم بحبل الله ولا تنفصم، وحدة باركها الله، فانطلقت قوية ثابتة خطاها على طريق الحق والنور، ورعى الله مسيرتها إذ علم ما في نفوس قادتها من صفاء النية ومضاء العزيمة في سبيل إعلاء كلمته، ففجر لنا كنوز الأرض ومكننا فيها، والتأم شمل البلاد بعد شتات، والتقى قاصيها ودانيها في إطار واحد تحت شعار أبدي خالد -لا إله إلا الله محمد رسول الله-.
وانطلقت مع أنوار فجر هذا اليوم الأغر مواكب الخير تسير بسواعد رجال الوطن وفرسانه، تشيّد البناء، وترفع الأعلام، وتفجر الينابيع، وتروي الأرض، وتنثر الخير، وتعد القوة، وبتني دعائم نهضة مباركة، ننعم بها اليوم في كل مجال، ولا تزال تمضي على طريقهم المرسوم نحو التنمية والعمران والتطور في سبق مع الزمن.
لقد كان (عبدالعزيز) عرّاب ملحمة التوحيد، مؤمناً بربه، صادقاً معه في القول والعمل، مخلصاً لدينه ووطنه وشعبه، زاهداً في الدنيا، محباً للخير، مفطوراً على السماحة والشجاعة والحلم والصبر وبعد النظر، ماذا عسانا أن نقول وقد ملأت سيرته الأسفار وحفظها التاريخ في بطونه بمداد الفخار.
لقد أعز الله بلادنا وأكرمها، فهي بفضله سبحانه، ثم بعزيمة قادتها الأفذاذ وإرادة شعبها الأبي لم تعرف الاستعمار الذي ابتليت به كثير من الدول، وهو ما أشار له سمو ولي العهد الأمير الهمام محمد بن سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - في إحدى زياراته الخارجية الموفقة بقوله: "بلادنا لم تكن مستعمرة".
وعندما نتحدث اليوم عن هذا اليوم المجيد، فإنما نتذكر نعم الله علينا، فنقابلها بالمزيد من الشكر والدعاء، وليعي أبناؤنا وبناتنا وأحفادنا معنى اليوم الوطني السعودي، ويدركوا أبعاد غاياته وامتداد خيراته، فيحافظوا عليها بالشكر نماء ورخاء وعدلاً وعلماً، وبالحمد أمنة ومنعة وكرامة.
ولكي يقبلوا على مناهل العلم والمعرفة بآذان صاغية وقلوب واعية وعزيمة صادقة، يرعاهم الله ويحدوهم التوفيق، كي يسهموا غداً في حمل الأمانة، وأداء الرسالة التي أكرمنا الله بها نحو دينهم ووطنهم ومجتمعهم.
وفي يومنا الوطني الرابع والتسعين، نستذكر باعتزاز وفخر بالغين، نهج قيادتنا الرشيدة المتمثلة بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظهما الله وأيدهما بنصره -، وما تقوم به القيادة الحكيمة من السياسات الراشدة، والرؤى المستقبلية، والخطط الاستراتيجية، والاستثمارات الحضارية، والأدوار العالمية الرائدة في تعزيز السلم الدولي، وإنعاش الاقتصاد العالمي، وتحقيق الرفاه للشعوب.
إن من نراه اليوم وننعم به نحن والأجيال القادمة – إن شاء الله - من الخير الوفير والأمن والأمان والنهضة الشاملة يوجب علينا سؤال المولى الله عز وجل أن يُديم على بلادنا أمنها واستقرارها وازدهارها، وأن يعز قادتها ويمدهم بالعون والتأييد، ويحفظ الله بلادنا من كل سوء ومكروه، إنه جواد كريم، سميع قريب مجيب.