×

الاتصال السريع

1 نسعد بتواصلكم معنا
عبر البريد الإلكتروني info@arrowad.sa
2 نرحب بتفاعلكم معنا
عبر منصات التواصل الاجتماعي    
3 كما يمكنكم الاتصال المباشر بنا
عبر الرقم الموحد  920004248

الاستثمار في القيم.. هل هو ضربً من الترف؟

في رحلة إلى العاصمة الأردنية للمشاركة في مؤتمر القيم النبوية، الذي أقامته جمعية إحياء التراث بالتعاون مع جامعة العلوم التطبيقية الخاصة؛ أجبت على السؤال المعتاد، ما مجال عملك؟ بأني أعمل في مجال تعزيز الثقافة المؤسسية المعتمدة على منظومة القيم". كانت ردة الفعل على جوابي؛ مختصرة في ضحكة صفراء، لم تكن موجهة لي بالقدر الذي كانت تحكي الواقع البائس، إذ سرعان ما نصحني بالتفكير بعمل آخر، فهذا مجال لا يكاد يوجد من سيطلب فيه خدمة أو منتجًا. ما السبب الذي يجعل البعض ينظر إلى أن الحديث عن القيم المؤسسية في بيئة العمل؛ ضربًا من الترف، أو حرثًا في البحر؟

02 ذو الحجة 1444، الموافق 20 يونيو 2023

وغني عن القول إن القيم المؤسسية إحدى ركائز التغيير المنشود في التحول الاستراتيجي للمؤسسات ضمن القطاعات الثلاث، العامة والخاصة وفي القطاع غير الربحي، كما أنها عمود للثقافة المؤسسية التي تساند القيادات في تحقيق الاستراتيجيات والمستهدفات، وأن الثقافة السائدة في المنظمة ما لم تكن مصبوغة بمنظومة القيم، فإن الاستراتيجية هي أول ضحاياها، كما يقول بيتر داركر. ومن خلال المشاركة في تقديم خدمات استشارية وتدريبية لعدد من الجهات التي خدمتها شركة الرواد لبناء القيم، والنقاشات وورش العمل واستعراض التجارب؛ فإن ذلك يرجع إلى جملة من الأسباب؛ منها:

الوعي بالأهمية

ضعف وجود وعي بأهمية الثقافة المؤسسية والقيم، ويرجع ذلك إما لإهمالها من الإعلان والإشهار على عكس ما تناله الرؤية والرسالة والأهداف، أو توضع مجرد كلمات تزين بها جدران المؤسسة ومواقعها الإلكترونية، أو أن يتبنى الملاك والقيادات سلوكيات منافية، وتتعارض مع منظومة القيم المعلنة، والجهل بالأهمية قد لا ينحصر في عدم الرغبة في التغيير، بل يصل درجة العداوة، فالإنسان عدو ما يجهل، لذا نستهدف في شركة الرواد لبناء القيم بناء الوعي وتصحيح المفاهيم حول القيمة، وبيان فوائدها والعوائد الإيجابية من ممارستها في الواقع، وتوضيح خطورة السلوكيات المضادة لها، فالحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره.

"الثقافة السائدة في المنظمة ما لم تكن مصبوغة بمنظومة القيم، فإن الاستراتيجية هي أول ضحاياها"

الاحتياج القيمي

وجود منظومات مسبقة الصنع، تؤخذ أثناء التخطيط الاستراتيجي وبناء خارطة الطريق، دون النظر في مدى الاحتياج لها، أو مستوى خدمتها للأهداف على نحو مباشر أو غير مباشر، كما أنها قد تكون مجرد قناعات شخصية للملاك، ورغم أن هذا يعد جوهريًا في تكوين منظومة القيم المؤسسية؛ إلا أنه ليس بكاف، لم يعضد بدراسة عن أفضل الممارسات والتجارب، وتحليل نوعي لكل قيمة وكيف يمكنها أن تخدم الهدف، ما المبادرات والبرامج التي يمكن أن تقدمها، لذا فإن العمل المنهجي يوجب أن تكون منظومة القيم المؤسسية نابعة عن احتياج فعلي، وتسد ثغرة في التوجه المستقبلي للمؤسسة، وتساعد في تحقيق المستهدفات.

المواءمة لبيئة العمل

وقد يكون الوعي بأهمية القيم المؤسسية موجودًا وبنسب عالية، وقد تكون المنظومة بنيت بشكل منهجي وسليم، ولكن هل عُرفت بتعريف يناسب مجال العمل، وتوجهات المؤسسة، ومناسبتها للخدمات والمنتجات التي تقدمها للمستفيدين، وهل روعي ذكر المكونات الفرعية لها، فقيمة النزاهة؛ من مكوناتها الفرعية رعاية الأوقات على سبيل المثال، وهدر الوقت أثناء الدوام بتصفح مواقع التواصل الاجتماعي وما يتبع ذلك من تشتت ذهني، وضعف في الانضباط الذاتي، يستلزم هدرًا في المال، وضياعًا لأوقات المستفيدين ومعاناتهم في الحصول على الخدمة المطلوبة؛ التي قد تمتد آثارها إلى مستويات بعيدة في حياتهم الشخصية. لذا، فإن مواءمة تعريف كل قيمة مهما كانت منتشرة وسائدة في مجال العمل عالميًا، أمر بالغ الأهمية، ويساعد في تحديد السلوك المطلوب من الفرد نحوها.

"نقدم في شركة الرواد البناء القيم عشرات الأدوات التي من ضمنها البرامج التدريبية"

تكاليف تعزيز القيم

تعد التكلفة المالية لتعزيز منظومة القيم في بيئة العمل؛ أحد العوامل المشكلة ضغطًا لدى بعض القيادات والملاك، وسواء كان ذلك بعد اعتماد ميزانية لبناء وتعزيز القيم، أو مع وجود ميزانية ينصرف الذهن إلى أن الأداة الوحيدة في تمكين القيم هي التدريب، وهنا نقدم في شركة الرواد البناء القيم عشرات الأدوات التي من ضمنها البرامج التدريبية، وهي أقل كلفة وأكثر تأثيرًا. رغم أن العمل بدافع قيمي؛ يؤسس وفق قواعد محكمة لحماية المؤسسة في حالات الانكسار أو التراجع والانكماش، حيث يثبت الفرد الذي اندمج وظيفيًا، ويشعر ببيئة العمل التي تحتويه وتقدره وتشجعه وتعترف بجهوده، ويسودها جو صحي، أنه ذو ولاء صادق، وقدرة على الصبر والتكيف في الملمات.

القيم في إجراءات العمل الإداري

يعد ضعف انعكاس مدلولات القيم المؤسسية في إجراءات المؤسسة؛ فلا وجود لها في عمليات الاستقطاب للكفاءات أو الحفاظ على المواهب، ولا في بطاقات التوظيف، أو نماذج التقييم السنوية والدورية، أو في الترقيات، وغير ذلك. وإن وجدت فيها إشارات فهي ضعيفة، لا توفر الحد الأدنى من الوعي بأن كل قيمة تتطلب جدارات محددة، حتى يمكننا القول إن هذا الفرد مكتسب للقيمة. لذا، فإن وجود منظومة القيمة بمدلول كل قيمة، وما تتطلبه من سلوكيات وجدارات ترافق الفرد من لحظة رغبته في التقدم للعمل في المؤسسة وحتى تقاعده، أمر ضروري وحيوي، ويجعله يتحرك بدافع داخلي لاكتساب كل ما تتطلبه القيمة من وعي وانفعال واعتقاد وسلوك ومهارة.

"المنظومة يجب أن تتضمن قيمًا أخرى تتجه إلى جوانب القوة؛ مثل الابتكار والإبداع والتميز والعلاقات والإتقان وغيرها"

القيم تقود

يشعر الكثير من الموظفين أن الحديث عن القيم هو في الحقيقة عبء إضافي عليهم وفق المهام التي يكلفون بها، وهذا ناتج عن رؤية قاصرة، إذ ينصرف الذهن إلى أن القيم منحصرة في جانب الأمانة والوفاء بالالتزامات، والنزاهة والسلامة من أي تقصير أو مخالفة، مع أن المنظومة يجب أن تتضمن قيمًا أخرى تتجه إلى جوانب القوة؛ مثل الابتكار والإبداع والتميز والعلاقات والإتقان وغيرها. ولكن بنظرة فاحصة يجد الفرد أن القيم تساعده في الارتقاء بنفسه، وبناء وتطوير قدراته، والاستثمار الجاد وعلى بصيرة في نفسه، وتساعده على تقليل الصراع النفسي والانحياز للمبادئ التي تدعوه لها، مما يسهم في صحته النفسية، والرضا الذاتي.

تعداد الأدوات

ومن الأسباب أن الأثر الناتج عن تنفيذ عدد من برامج تعزيز القيم وإكسابها في بيئة العمل؛ يحتاج لتوفر عدد من الأسباب، مثل: المدى الزمني للتغير، وجود القيادات الملهمة التي تتبنى هذه الثقافة، وتنفيذ أدوات تثقيفية لمشاركة المعرفة ونشر الثقافة القيمية، يمكنها أن تأخذ حيزًا من الوقت أبعد من التدريب، مع قلة التكلفة، كما أن المؤسسات الكبرى؛ يفضل أن تعمد لتأهيل سفراء للقيم، يتم نقل المعرفة لهم، ويتولون هم قيادة البرامج والفعاليات المعززة. كما أن من الأسباب الجوهرية الخارجة عن بيئة المؤسسة أن الحديث عن القيم في الغالب حديث مرسل لا يستند على منهجيات علمية محكمة، ولا يركز على النظرة الشاملة في بناء المحتوى المناسب، ومدى التركيز على الأبعاد الأربعة للقي؛ المعرفية والانفعال والوجدان، والاعتقادية والسلوكية، ولا يفرق الكاتب أو المتحدث عنها حسب البيئة التي يعيش فيها الفرد، فالكل عنده سواء، وهذا يحدث تشويشًا في الرؤية لدى الفرد القارئ أو المستمع. وعليه؛ فإن الثقافة المؤسسية المتضمنة لمنظومة قيم، تعد إحدى مكونات التوجه الاستراتيجي للمؤسسة، وإحدى الروافع المهمة لها في تحقيق مستهدفاتها، وأن الحديث عن القيم ليس مجرد إعلان، بل ممارسات تتعاضد فيها أعمال القيادات مع المنسوبين ومع إجراءات وتهيئة للبيئة الحاضنة. عند وجود ذلك، فإن العائد عن الاستثمار في هذا المجال يمكن ملاحظته وقياسه والبناء عليه، وهو ما تسعى إليه الكثير من المؤسسات الحكومية، والخاصة، وفي القطاع غير الربحي.

 

 

الدكتور أحمد المليكي

مستشار أول تنفيذي

TOP });