×

الاتصال السريع

1 نسعد بتواصلكم معنا
عبر البريد الإلكتروني info@arrowad.sa
2 نرحب بتفاعلكم معنا
عبر منصات التواصل الاجتماعي    
3 كما يمكنكم الاتصال المباشر بنا
عبر الرقم الموحد  920004248

تمكين القيم

تناولت الدراسات والبحوث وأوراق العمل المهتمة بالقيم؛ موضوع تعزيز القيم، أو غرسها أو إكسابها أو اكتسابها؛ تناولًا نظريًا متنوعًا، وفي حين تؤكد جميعها على ضرورة القيم، لكنها في الغالب لم تقدم بالمقابل أدوات عمليّة لتعزيزها أو إكسابها أو شرح كيفية تحقيق ما يجب أو بيان تلك الضرورة، إلا في نطاق ضيق، وإسهامات محدودة تبناها بعض الباحثين وبعض المؤسسات، وهو جهد طيب ساهم في نقل الأفكار من حيز التنظير إلى التطبيق.

23 ذو القعدة 1444، الموافق 12 يونيو 2023

سلسلة مقالات في القيم ( المقالة الرابع: القيم المؤسسيّة قضايا أساسيّة )

وقد حصرنا بعض تلك الدراسات والبرامج والمشاريع والأدوات واستفدنا منها، وغالبها يرى أن عملية إكساب أو اكتساب القيم تتم وفق ثلاثة محاور: الأول: التنشئة الأسرية، والثاني؛ تقليد النموذج أو المثال والاقتداء به، والثالث؛ التلقي المباشر من خلال التعليم أو التدريــــب، (تليمان، 2006، بالخضر، 2006، يالجن 2012، موسوعة الأخلاق جامعة الملك سعود، مشروع القيم الجامعية؛ جامعة طيبة 2013، الدقلة؛ 2013، الجلاد 2014، مرداد 2015، العازمي، 2015، كوزيس؛ جميس2016) ونتفق تمامًا مع ذلك كله غير أننا لم نستغرق في التنظير، أو نركز على عملية إكساب القيم أو اكتسابها فقط، بل حرصنا على بناء منهجية وأدوات عمليّة، تهدف إلى عملية أشمل من الإكساب أسميناها: تمكين القيم.

التمكين مصطلح يشير إلى عمليّة تشاركية بين المُمكِن والمُمَكَّن له، مما يعني إشراك الأفراد الذين تحت مسؤولية المؤثرين في عمليّات التأثير التي يقومون بها لإكساب القيم أو اكتسابها عبر حزمة إجراءات يأخذها المؤثرون أو من في حكمهم؛ لتمكين القيم لدى الأفراد من خلال إحداث عمليات التغيير الثقافي، مع الأخذ بالحسبان اختلاف القيم ومفهومها ونوعها وترتيبها من مؤسسة إلى أخرى، الأمر الذي يترتب عليه اختلاف أساليب تمكين القيم، كما أن نتائج دراسة واقع القيم في كل بيئة وتحديد فجواتها، يوجه اختيار البرامج المناسبة لعمليات التغيير الثقافي لتمكين القيم، التي تنطلق وفق منهجيتها في خمس عمليات هي: تهيئة البيئة، مشاركة المعرفة، التعلّم، التدريب، النمذجة.

 

التمكين مصطلح يشير إلى عمليّة تشاركية بين المُمكِن والمُمَكَّن له

وتمكين العاملين من القيم المؤسسيّة هو الغاية النهائية لمنهجيتنا فحين يتبنى العاملون قيم مؤسساتهم في سلوكهم المهني اليومي فإنه من المرجح أن تسود ثقافة مؤسسية تستند إلى القيم وأن تنجز المؤسسة أهدافها الاستراتيجية التي رسمتها وتصل إلى تحقيق رؤيتها. وسنشرح هذه العمليات الخمس في الصفحات التالية.

العملية الأولى تهيئة البيئة

اشتكى لي أحد القياديين من أن غالب العاملين لا يقدمون أفكاراً مبتكرة وحلولاً للتحديات التي تواجه المؤسسة. مع أن إحدى قيم مؤسستنا هي الابتكار فسألته هل هيأتم البيئة الحاضنة للابتكار والداعمة لتلك القيمة؟

فقال نعم نحن نشجع العاملين على الابتكار ونطبق مقترحاتهم الجيّدة، أجبته إن هذا أمر طبيعي أن تبادر المؤسسة بتنفيذ الأفكار الجيدة التي ظهرت للسطح لكن هل لديكم في المؤسسة نظام وإجراءات وسياسات وبرامج ودعم مالي ومعنوي لقيمة الابتكار تحفزّ العاملين لإنتاج ابتكارات وأفكار إبداعية؟

من غير العدل أن تطالب البيئاتُ من الأفرادَ المنتمين لها بتمثّل القيم وظهورها على سلوكياتهم وممارساتهم، دون أن تهيئ. لهم متطلبات بيئة حاضنة لها، فالبيئة تؤدي دورًا كبـيرًا في تمكين القيم لدى الأفراد؛ في إطار ما تهيئه من مواصفات وخصائص وسياسات وآليات وإجراءات وأنظمة لتمكين القيم، سواء كان ذلك ماديًا أم معنويًا، تتناسب كلها مع طبيعةَ العاملين في المؤسسة وكل ما من شأنه أن يكون مساعدًا على اكتساب القيم التي تتبناها البيئة بالذات وليست متطلبات عامة.

وبشأن شكوى القيادي بعدم اهتمام العاملين في مؤسسته تبني قيمة الابتكار، والذي تبين أنهم ليسوا هم السبب بل السبب في عدم وجود بيئة حاضنة للابتكار وداعمه له اختصر لكم تجربة شركة أرامكو السعودية في تمكين قيمة الابتكار، (حينما اهتم مجلس إدارة شركة أرامكو السعودية بالابتكار اهتماماً تحوّل إلى خلق بيئة حاضنة للابتكار ومن ذلك تخصيص موازنة مالية قدرها 500 مليون دولار لصندوق رأس المال الجريْ زاد عدد مشاركة العاملين بأفكار ومشاريع مبتكرة من 20% في عام 2018 إلى أكثر من 60% عام2020 وحصلت أرامكو على 683 براءة اختراع عالمية وسجلت 1,183طلب في عام 2020) (القحطاني 2023).

من غير العدل أن تطالب البيئاتُ من الأفرادَ المنتمين لها بتمثّل القيم وظهورها على سلوكياتهم وممارساتهم، دون أن تهيئ. لهم متطلبات بيئة حاضنة لها

العمليّة الثانية نشر ثقافة القيم

طبقنا المقياس الذاتي لقياس الثقافة المؤسسية المستندة للقيم بشكل مكتوب وشفهي على بعض العاملين في المؤسسات والنتيجة صادمة للغاية، وقد تبدوا وكأنها نتائج غير حقيقية. ملخص نتائج القياسات يشير إلى أن غالب العاملين لا يعرفون منظومة قيم مؤسستهم بشكل كامل، وقليل منهم استطاع ذكرها، وذلك يعني أن الإدارة المعنيّة بقيم المؤسسة أياً كانت الاستراتيجية أو الموارد البشرية أو التواصل الداخلي لم تقم بواجبها في مشاركة العاملين المعرفة حول منظومة القيم، وذلك أضعف الإيمان عداك عن عمليات التغيير الثقافي الأخرى. المقصود بعملية نشر ثقافة القيم ومشاركة المعرفة؛ الجهود التي يبذلها المسؤولون عن تمكين القيم في المؤسسة لنشر الثقافة وتعزيز الوعي والاهتمام بالقيم بشكل عام ومنظومة قيم المؤسسة بشكل خاص ليكون العاملون على علم ودراية بقيم مؤسستهم مما يرفع مستوى الاهتمام والمعرفة والفهم وهي العناصر الثلاثة المكونة لحالة الوعي.

غالب العاملين لا يعرفون منظومة قيم مؤسستهم بشكل كامل

تسير عملية مشاركة المعرفة في مسارين رئيسين:

  • الأول: نشر الثقافة ومشاركة المعرفة بأهمية القيم بشكل عام، وضرورة الاهتمام بها من كل العاملين بمختلف أدوارهم، وإبراز المنافع الكبيرة والعوائد الإيجابية لها.
  • الثاني: مشاركة المعرفة المركزة في منظومة قيم مؤسسية. بعينها، وشرحها وإيضاح مكوناتها، ومخاطر عدم التمثل بها، ومنافعها المتنوعة، وعوائدها الإيجابية على الأفراد العاملين وعلى المؤسسة والمجتمع. وقد تكون عمليات نشر المعرفة موجهة نحو فئة محددة من المستهدفين، وقد تكون عمليات نشر المعرفة تستهدف كل العاملين وقد تتجاوزهم إلى جميع ذوي العلاقة بالمؤسسة من الموردين والشركاء، بل إن بعض المؤسسات توجهت نحو أسر العاملين والمجتمع المحلي.

ويتحقق ذلك كله بإنتاج مجموعة من البرامج والأدوات التثقيفية والإعلامية والأنشـطة والممارسـات، ضمن إطــار توعــوي هــادف، يتناسـب مع طبيعة العاملين، ويصاغ بأساليب إبداعية تتجاوز الطرق التقليدية لتتوافق مع اهتمامات المستهدفين لإحداث عمليات التغيير الثقافي من خلال ارتفاع درجة الوعي بالقيم عند العاملين.

يجب ان تتوافق برامج تمكين القيم مع طبيعه وأهتمام العاملين في المؤسسة

اقترح عليك أيها القارئ الكريم أن تنفذ لصالح مؤسستك مقابلة تلفزيونية «بودكاست» عن قيم مؤسستك يتناول فيها الضيف تجاربه وخبراته حول قيم المؤسسة ونشر هذه البودكاست بين العاملين. إنني أجزم أنه سيحدث أثراً إيجابياً مباشراً على سلوكهم المهني، ويحدث تغييراً ثقافياً واضحاً ويمكن للمؤسسة أن تفتح المجال أمام العاملين فيها لابتكار مناشط وبرامج متنوعة لمشاركة المعرفة حول قيم مؤسستهم وتجاربهم الشخصية حولها.

العملية الثالثة: التعليم

المؤسسة التعليمية مسؤولية عن تمكين القيم بعد الأسرة حيث تساهم بشكل كبير في تهيئة البناء المعرفي عند الطلبة. فدور المعلمين والمنهاج بالغ الأهمية في المواقف التعليمية التي تمكن القيم بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

غير أن التعليم ليس حكراً عليها ويمكن أن تقوم به المؤسسات الأخرى الحكومية والخاصة والقطاع غير الربحي لتمكن القيم حيث يقوم المعنيين في تلك المؤسسات بإحداث عملية التغيير الثقافي من خلال برامج تعليمية وتطوير مناهج وأنشطة وفعاليات قرآه ومناقشة وجلسات حوارية ومحاضرات حول قيم المؤسسة بشكل متوافق مع خبرات وتأهيل العاملين بهدف إثراء معلوماتهم وتكريس معتقداتهم حول قيم المؤسسة.

سنتناول لاحقاً العملية الرابعة وهي: التدريب الهادف لنقل المهارات وإكساب الممارسات التطبيقية وقد يرى البعض أن ذلك يكفي عن التعليم وذلك غير صحيح؛ فالتعليم عمليّة تهدف لإكساب المعلومات وترسيخ المعرفة التي هي أساس المهارات التطبيقية. إن المحور الذي تدور عليه عملية التعلّم هي القراءة التي ضاعت في خضّم خصائص العصر الحديث المكتظ بوسائل التلقي المباشر البسيط من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، فإن استطاعت المؤسسة استثمار عملية التعليم بشكل مشوّق وجاذب فإنها ستحدث تغييراً معرفياً كبيراً على العاملين فيها يحدث أثراً في سلوكهم المهني.

في دراسة وطنية عن القراءة ومجتمع المعرفة في المجتمع السعودي، نفذها مركز إثراء بشركة أرامكو السعودية، تناولت الاتجاهات والتفضيلات، والأساليب والأدوات التي يبني فيها الفرد معرفته تبين أن القراءة مصدر مهم لدى غالب أفراد المجتمع لتحصيل المعرفة. (المرجع: القراءة ومجتمع المعرفة، اتجاهات القراءة وأنماطها لدى المجتمع السعودي، مركز إثراء، 2014.)

العملية الرابعة: التدريب

يهدف التدريب إلى إكساب المهارات والأداء التطبيقي العملي وهذا هو الفارق بينه وبين عملية التعليم التي تهدف لإكساب المعرفة والمفاهيم.

إن استثمرت المؤسسة في عملية التعليم فمن المفيد أن تعاضد ذلك بعملية التدريب التطبيقي وأن تجاوزت عملية التعليم فيمكن تلافي ذلك بإدماج تحصيل المعرفة مع البرامج التدريبية مما يعني أن معدّ البرامج التدريبية للمؤسسة لابد أن يكون على وعي ببقية العمليات والبرامج التي تقوم بها المؤسسة لتمكين العاملين من قيمها.

لتدريب إلى إكساب المهارات والأداء التطبيقي العملي وهذا هو الفارق بينه وبين عملية التعليم التي تهدف لإكساب المعرفة والمفاهيم

والتدريب من أجل تمكين العاملين من قيم المؤسسة له نوعان رئيسان:

  • النوع الأول: تدريب المسؤولين عن تمكين قيم المؤسسة الذين تناط بهم مسؤولية إدارة القيم سواءً كانوا من الإدارة المكلفة بمهمة تمكين العاملين من قيم المؤسسة أو من المؤثرين في المؤسسة الذي يحظون باحترام وتقدير زملائهم أو من المكلفين بشكل مباشر ليكونوا سفراء للقيم في إدارات أقسام المؤسسة المختلفة. وهذا النوع من التدريب يفضل أن يكون مكثفاً وعميقاً لأنه يُعنى بتزويد المتدربين بمهارات الامتثال لقيم المؤسسة ونقل هذه المهارات لزملائهم. بهدف تحويل قيم المؤسسة لممارسات تطبيقية، وهو ليس برامج تدريب مدربين (TOT) بل هو أعمق من ذلك.
  • النوع الثاني: تدريب عموم العاملين على قيم المؤسسة وهدفه إكسابهم المهارات الأساسية التي تجعلهم يحولون قيم مؤسستهم من شعارات ينادون بها إلى ممارسات تطبيقية وسلوك مهني. التدريب هو أبرز ما تطلبه المؤسسات من مناشط لتمكين فريق عملها وهو بلا شك عمود رئيسي في إحداث التغيير الثقافي لمنظومة قيم المؤسسة لكن من المفيد ألا نظن أنه هو الوحيد أو حتى هو الأهم، بل كل العمليات والنماذج السابقة التي تحدثنا عنها (تهيئة البيئة، مشاركة المعرفة، التعليم) والنمذجة التي سنتناولها الآن عمليات مهمة يعضد بعضها البعض.

لتدريب في مجال القيم نوعان النوع، الأول:تدريب المسؤولين عن تمكين قيم المؤسسة والنوع الثاني: تدريب عموم العاملين على قيم المؤسسة

العملية الخامسة: النمذجــة

لا يخلو كتاب إداري أو تربوي إلا ويتحدث عن القدوة والقيادة الملهمة ودورها في غرس وإكساب القيم وتعزيزها وبنائها في البيئات التي يرعاها القادة، وتؤكد كثير من الدراسات والبحوث العلميّة على الأثر الكبير الذي يحدثه؛ اهتمامُ القائد بالقيم في بيئته، أو كما تسميه بعض الدراسات «القيادة بالقيم». (مراجع)

إن تبني القادة ذاتهم للقيم التي ينادون بها، وظهورهم كنماذج مثالية ملهمة لمن هم تحت قيادتهم، تساهم في تمكين القيم عند الأفراد الذين ينضوون تحت القادة على اختلاف أنواعهم ودرجاتهم ويتأثرون بهم. التحدي لا يمكن في إقناع القائد أنه نموذج، بل التحدي في أن يعرف القائد كيف يكون نموذجاً ملهماً ويحفزّ العاملين الذين تحت إدارته لتمثل القيم المؤسسيّة.

إن تبني القادة ذاتهم للقيم التي ينادون بها، وظهورهم كنماذج مثالية ملهمة لمن هم تحت قيادتهم، تساهم في تمكين القيم عند العاملين

عمليات التمكين وركيزة التجسيد

عمليات التغيير الثقافي لتمكين القيم التي تناولناها سابقاً عمليات معروفة لجميع المشتغلين بالتغيير الثقافي وتمكين القيم، غير أن هناك فارقاً كبيراً بين تنفيذ تلك العمليات بشكل تقليدي نمطي وبين تنفيذها وفق منهجيّة علمية وبأساليب إبداعية ومحتوى أصيل يُحدث تغييراً ثقافياً على بيئة المؤسسة وعلى العاملين فيها، وحيث أن القيم وكما ذكرنا سابقاً مفاهيم مجردة؛ فإنه لا يمكن بناء محتوى وأدوات التمكين على تلك المفاهيم المجردة أو الاعتماد على الفهم الخاص لمعدي ومطوري المحتوى ولا يوجد حسب علمنا دراسات علمية وكتب نظرية عن تفاصيل القيم المؤسسّة بل حتى القيم المشهورة منها والأكثر شيوعاً في العالم كالابتكار والنزاهة والشفافية و التميّز وغيرها، لذلك طورنا دليل تجسيد القيم والذي على ضوئه أنجزنا موسوعة الرواد للقيم التي تتكون من أكثر من مائة كتاب علمي تجسدّ مائة قيمة شائعة عالمياً، وكل كتاب بمثابة إطار مرجعي أصيل للقيمة الواحدة وهو وعاء معرفي ينهل منه الباحثون والمعنيون ببناء وتطوير برامج عمليات التغيير الثقافي وأدواته؛ فيستقي منه المسؤول عن مشاركة المعرفة الرسائل الإعلامية لنشر الثقافة ومنه يأخذ مطور البرامج التدريبيّة والتعليمية المحتوى العلمي لبرامجهم.

الدكتور سعد بن إبراهيم الخلف

نائب رئيس مجموعة الرواد
والشريك المؤسس

TOP });